من ملفات الجاسوسية : اخطر جاسوسة عربية الجاسوسة أمينة المفتي

ولدت أمينة داود المفتي عام 1939 في إحدى ضواحي عمان لأسرة شركسية من شركس الأردن وتبوأت مراكز سياسية واجتماعية عالية حيث كان والدها تاجر مجوهرات ثري وعمها حاصل على رتبة لواء في البلاط الملكي أما أمها فهي سيدة مثقفة تجيد أربع لغات وكانت أمينة أصغر إخوانها وأخواتها وعاشت حتى إكمال الثانوية في الأردن .
عاشت أمينة أول قصة حب في حياتها مع شاب فلسطيني الأصل يدعى بسام، لكنه تخلى عنها بسبب حدة طباعها، فتعرضت لصدمة أثرت على تحصيلها الدراسي، وبالفعل لم تحصل أمينة على مجموع جيد في الثانوية العامة بالأردن، فقرر والداها إرسالها إلى النمسا لمتابعة دراستها، وهكذا هاجرت إلى فيينا لدراسة علم النفس الطبي في جامعتها. فحصلت على درجة البكالوريوس في علم النفس الطبي من جامعة فيينا .
عادت إلى الأردن عام 1961 فوجدت ان حبيبها قد تزوج واستقر وكون عائلة فلم تستطع البقاء في الأردن فغادرتها مرة أخرى إلى النمسا بحجة الحصول على شهادة الدكتوراه في علم النفس المرضي لمدة 5 سنوات إلى عام 1966 .
وفي هذه المرة تعرفت على صديقة تدعى سارة بيراد، وهي شابة يهودية عرفتها بدورها على أخيها الأكبر موشي. كان الشقيق طياراً حربياً برتبة نقيب، أحبته وأحبها لدرجة أنه ساعدها في الحصول شهادة دكتوراه مزورة في علم النفس المرضي.
عادت أمينة إلى الأردن ثانية في عام 1966 لتفتح مستشفىً في بلدها بتمويل من أبيها ولتتزوج من ابن عمها الثري. ولما طلبت منها الجهات المختصة تصديق شهادتها ومعادلتها في الأردن رفضت بشدة خوفاً من الفضيحة. عادت إلى النمسا للمرة الثالثة وعملت لفترة قصيرة في مركز للأطفال واجتمعت من جديد مع موشي وسكنت معه طالبة الزواج. وافق الحبيب اليهودي شرط أن تعتنق أمينة ديانته. ووافقت بسرعة. وفي معبد “شيمودت” الواقع في العاصمة فيينا غيرت ديانتها من الإسلام إلى اليهودية وصار اسمها آني موشي بيراد.
أصرت آني أو أمينة على زوجها أن يقوما بالهجرة إلى إسرائيل لأنها كانت تخاف أن يأتي أهلها لقتلها في النمسا لذلك هاجرت هي وزوجها عام 1972 إلى إسرائيل حيث تقلد زوجها رتبة رائد طيار في سلاح الجو الإسرائيلي وفي آخر يناير 1973 أسقطت المدفعية السورية طائرته واعتبر من لحظتها مفقوداً إلى الآن.
بعد فقدان زوجها بدأت أمينة مشوار جاسوسيتها باعتقادٍ منها أنها تنتقم لفقدان زوجها على أيدي السوريين والفلسطينيين. حيث انضمت إلى جهاز الموساد الذي بدوره إخضاعها لتدريبات مخصصة، ثم إرسلها إلى لبنان لتعمل متطوعة داخل المخيمات الفلسطينية، وتغلغلت في الفصائل الفلسطينية وتعرفت على القادة الفلسطينيين وتقربت منهم وحصلت على ثقتهم. عاشت في لبنان وتحديداً في بيروت ، وأقحمت نفسها في ملاجئ الفلسطينيين بحجة أنها طبيبة متطوعة لشفاء الجرحى ووصلت بدهائها إلى مكتب الرئيس ياسر عرفات وحصلت منه على إذن موقّع على تصريح يمكنها من دخول جميع المواقع الفلسطينية على أنها طبيبة ماهرة تشارك في تأهيل الجرحى وخدعته بتأثرها الزائف بوضع المشردين الفلسطينين وحماسها للمقاومة وما إلى ذلك.
بدأت الجاسوسة ترصد تنقلات القادة الفلسطينيين، وخصوصاً ابو الحسن علي سلامة الذي كان يرتاد فندق ” كورال بيتش” في بيروت. كما استطاعت بمعلوماتها أن تحبط عدة عمليات للمقاومة حيث تم إلقاء القبض على رجالها قبل تنفذيهم لعملياتهم. وكانت العميلة توجه القوات الإسرائيلية، عبر معلوماتها، لقصف مواقع حركة “فتح” في لبنان.
استغربت القيادة الفلسطينية كيفية حصول إسرائيل على كل تلك المعلومات وبهذه الدقة، فقامت بإجراء مسح كامل لمن يحضر اجتماعات القيادة من الصفين الأول والثاني والأشخاص المسموح لهم بدخول معسكرات التدريب. إلا أن النتائج كانت سلبية ولم تشكّ القيادة بخيانة أمينة المفتي. أما هي فقد واصلت نشاطها واستطاعت خلال وجودها في بيروت تجنيد الأردنية خديجة زهران، بائعة الملابس في شارع الحمرا. وبواسطة خديجة تعرفت على لبناني يدعى مانويل عساف، أغرته أمينة بخمسين ليرة. لكنه لم يكن يملك جميع المعلومات فقام بتعريفها على موظف أعلى منه شأناً، يدعى مارون الحايك، ليحل لها مشاكل العطل المتكرر في هاتف بيتها وانقطاع الحرارة عنه كما يحدث مع بقية سكان الحي. كان الحايك يعمل في البدالة الرئيسية، أغرته أمينة بالمال والجنس فأمن لها الاتصال بشكل سليم ودائم. سلمته جسدها وقام هو بتسليمها جميع أرقام هواتف الصف الأول من القيادة الفلسطينية في لبنان. وبدورها أرسلتها إلى رؤسائها في إسرائيل الذين طلبوا منها مراقبة محادثاتهم وتسجيلها حتى يحين الوقت المناسب لاغتيالهم.
تعرفت عميلة الموساد على أبو الحسن سلامة وصارت تلتقيه مرتين في الأسبوع في أحد فنادق بيروت. كما تعرفت على ضابط فلسطيني يدعى أبو ناصر، وكانت في كل لقاءاتها تحمل جهاز التنصت وتسافر إلى الجنوب اللبناني لتلتقط المعلومات عن العمليات الفدائية المقبلة. ترسل المعلومات إلى رؤسائها وتحبط العمليات وترشدهم لملاحقة الفدائيين.
وفي احد الأيام انتهزت أمينة فرصة لقائها بسلامة في الكورال بيتش كالمعتاد، وسألته في خطأ فادح عن أولاده. فدهش الرجل الذي لم يحدثها عنهم من قبل مطلقاً. وبحاسته الأمنية العالية ملأه الشك تجاهها، وقرر البحث عن ماضيها وطلب من رجاله في عمان إعادة موافاته ببيانات عن الطبيبة الأردنية أمينة داود المفتي، التي يعيش اهلها بحي صويلح أرقى وأروع أحياء عمان. فجاءه الرد بأنها بالفعل طبيبة أردنية، غادرت وطنها الى النمسا للدراسة، ولمشاحنات مع أهلها قررت ألا تعيش بعمان. اطمأن سلامة لتحريات رجاله. . وتجددت ثقته بأمينة، لكن بلاغاً سرياً من أوروبا وصل الى مكتب المخابرات، قلب الأمور كلها رأساً على عقب.
ذات يوم تسلّم أبو الحسن سلامة تقريراً من فلسطيني يعمل معه ويعيش في إحدى الدول الاوروبية، أفاد البلاغ أن شاباً فلسطينياً في فرانكفورت، صرح لأحد المصادر السرية بأنه تقابل مع أحد الفلسطينيين في فيينا، وبعد عدة لقاءات بينهما في حانات المدينة ومقاهيها، أخبره بأن له صديقة نمساوية يهودية، ماتت إثر تعاطيها جرعة زائدة من عقار مخدر، تزوج شقيقها الطيار من فتاة عربية مسلمة، وهربت معه الى إسرائيل خوفاً من اكتشاف أمرها وملاحقة أجهزة المخابرات العربية لها. وأن الفتاة كانت تدرس الطب في النمسا، وانتقلت الى لبنان بعدما أسقط السوريون طائرة زوجها، الذي اعتبر مفقوداً. كانت مصادفة أشبه بالمفاجأة. فطلب سلامة أسماء جميع الطبيبات العربيات فاكتشف أن هناك أربع ممرضات تخرجن من النمسا. من هنا بدأت المراقبة والملاحقة.
وفي انتظار التقرير الحاسم الذي سيجيء من أوروبا . . أمر سلامة بوضع الأربعة تحت المراقبة الصارمة طوال الأربع والعشرين ساعة. لقد كان السباق محموماً للوصل الى الحقيقة بأسرع ما يمكن . . وبينما الطقس مشحون بالشكوك والترقب، أحست أمينة بعيني الجاسوسة المدربة، بأن هناك عيوناً ترصدها. . ولا تترك لها مساحة من الحرية لتتحرك بيسر كما اعتادت دائماً. وأول ما فكرت فيه هو التخلص من جهاز اللاسلكي، دليل الإدانة الذي سيقدمها الى حبل المشنقة. فبثت رسالتها الأخيرة الى الموساد : (آر. كيو. أر. هناك من يراقبني ليل نهار منذ الأمس. أنا خائفة ومرتبكة. سأموت رعباً. أفيدوني. نفيه شالوم). فردوا عليها بعد أقل من نصف الساعة: (ضعي الجهاز بسلة قمامة الشقة العلوية. إحرقي الشفرة. غادري بيروت بهدوء الى دمشق بطريق البر. ستجدين رسالة بمقهى “الشام”.). تنفست أمينة الصعداء، وشرعت فوراً في تنفيذ أوامر رؤسائها.
حملت أمينة حقيبة يدها الصغيرة وغادرت شقتها، لتدور بعدها في شوارع بيروت أشرس عملية هروب ومطاردة بين الجاسوسة الخائفة ومطارديها. وفي موقف السيارات المتجهة الى دمشق اعتقدت بأنها أفلتت من المراقبة، حتى إذا ما صعدت الى الباص واطمأنت في مقعدها، فوجئت برجلي أمن يقفان الى جوارها، فألجمها الخوف وانخرست . . واعتقدت بأنها النهاية الحتمية لمشوار خيانتها، فقررت بألا تموت على أيدي الفلسطينيين. وبلا وعي انطلقت أصابعها في لحظة كالبرق، تبحث عن كبسولة سم السبانيد بين خصلات شعرها. لكن أيدي رجلا الأمن كانت الأسرع، واقتيدت الى سيارة بيجو استيشن مفتوحة الأبواب كانت تنتظر خلف الباص، يقف الى جوارها رجلان آخران جامدي الملامح. وقبلما تبلغ أمينة البيجو فشلت ساقاها عن حملها، فاضطر الرجلان الى رفعها عن الأرض رفعاً، وألقيا بها الى داخل السيارة التي انطلقت كالريح الى حي الفكهاني، تسبقها سيارة أودي – 80 – إل إس نقل أربعة رجال مدججين بالسلاح.
وأمام أحد المباني بالقرب من المدينة الرياضية، سحب الرجال العميلة المغماة الى الداخل، حيث أودعت في غرفة ضيقة تحت الأرض، تكبل يديها من الخلف سلسلة حديدية طويلة ربطت الى الحائط. لم يكن لدى المخابرات الفلسطينية – رصد – حتى وهم يراقبونها دليل واحد ضدها. فالتقرير لم يصل بعد من أوروبا ليؤكد براءتها من عدمه. لكن حينما أمسك رجال الأمن بها كانت ملامحها كلها تنطق بالخوف وتضج بالرعب، ولأنهم اعتادوا تلك الملامح التي ترسم عادة على وجوه الخونة، أيقنوا بأن الأمر جد خطير . . خطير جداً. وأن الطبيبة المتطوعة متورطة في جرم ثم خاصة . . بعدما تعرضت المادة السائلة بالكبسولة للتحليل، واتضح أنها سم السبانيد الذي تكفي نقطة واحدة منه لقتل فيل بالغ.
كان جهاز الأمن والمخابرات – رصد – يعمل في تلك الفترة تحت قيادة أبو إياد “صلاح خلف” الأب الروحي للمخابرات الفلسطينية وما إن وضع أمام أبو أياد تقرير كامل عن أمينة المفتي، حتى قال لسلامة : يجب ألا نعاقب امرأة عربية دون أدلة قطعية قوية تؤكد إدانتها. فلننتظر تقرير رجالنا في أوروبا. وحتى يصل التقرير فلا عقاب ولا استجواب.
كان رجال المخابرات الفلسطينية في أوروبا يلهثون خلف الشاب الفلسطيني العابث، يرافقهم الشاب الآخر صاحب البلاغ، والذي استقدموه من فرانكفورت رأساً الى فيينا. فهو الوحيد الذي يمكنه التعرف عليه بسهولة. هكذا جابوا شوارع فيينا وحدائقها ومواخيرها دون جدوى، وكأنما انشقت الأرض وابتلعته. ولم يكن أمام الرجال إلا طريقة واحدة – غاية في الخطورة – لاستجلاء الحقيقة من مصادرها الرسمية، وهي البحث عن سجلات مكتب “الزواج من أجانب”. وكان الخوف كل الخوف من لفت انتباه رجال الموساد في النمسا الى ما ينقبون عنه، لذلك كانت عملية البحث تتم تحت ستار كثيف من السرية . . والتكتم . وبواسطة خطاب مزور صادر عن السفارة الأردنية في فيينا، يخاطب إدارة مكتب الزواج من أجانب، أمكن الوصول الى عنوان شقتها والى حقيقة الزواج المحرم. وفي الحال طار أحد الضباط الى بيروت يحمل صورة رسمية من عقد الزواج، في ذات الوقت الذي اقتحم فيها رجال رصد شقة أمينة المفتي بفيينا عثروا على أجندة متوسطة الحجم، سجلت بها أمينة مذكراتها وتفاصيل عملها في بيروت قبل رحلتها التدريبية الأولى لإسرائيل. هكذا تجمعت كل الأدلة على مكتب أبو إياد، ولم يكن أمامه سوى محاصرة أمينة والسيطرة عليها، لتكشف النقاب عما أبلغته للموساد، ودورها الحقيقي في ترصد حركة المقاومة، خاصة بعد فشل عدة عمليات فدائية كان وراءها جاسوس خفي، وأيضاً. . لترشد عن بقية أعضاء شبكتها في بيروت أو خارجها.
اقترح ابو اياد على حسن سلامة الاعتماد على خطة جديدة تناسب الحالة، تقوم على إيهامها بأن زوجها موشيه كان أسيراً لدى السوريين، وقد أُطلق سراحه منذ أيام ضمن فريق من الأسرى في عملية مبادلة نشرت عنها الصحف. وكان الغرض من كل ذلك إشعار الجاسوسة بعقدة الذنب، لتحس بالندم على ما ارتكبته فتعترف بلا إكراه أو تعذيب. وعلى ذلك . . . سربوا اليها إحدى الصحف اليومية وقد تصدرت صفحتها الأولى صورة زوجها الأسير وسط العديد من زملائه، قبلما يغادرون سوريا الى اسرائيل برفقة رجال الصليب الأحمر. كانت هناك بالطبع نسخة وحيدة لتلك الصحيفة طبعت خصيصاً لأجل المهمة المحددة. وما إن قرأت أمينة الخبر، حتى لفها صمت غمس بالذهول، وقد جحظت عيناها لهول الصدمة والمفاجأة، وانطلق من جوفها صوت نحيب رتيب كأنه العواء. وليس هناك أبلغ مما كتبته بنفسها عن تلك اللحظة الخطيرة من حياتها: الحلقة السادسة الأشباح في الزنزانة تقول أمينة في مذكراتها (وفي السادس من سبتمبر عام 1975 (!!!)، كنت أحاول أن ألملم ذاتي المبعثرة داخل زنزانة ضيقة حقيرة، مقيدة بالجنازير الى الحائط، عندما انفتح الباب في الصباح، ودخل الحارس المسلح ذو الشارب الكثيف يحمل فطوري المكون من رغيف وشريحة جبن مطبوخ، وجلس أمامي كالمعتاد يتصفح جريدته، ويناولني قضمة بعد قضمة، عندما لمحت الخبر بالصفحة الأولى: يا الهي . . إنه موشيه . . نعم موشيه . . صورته تتصدر الصفحة ومن تحتها اسمه كاملاً. خيل ألي انني أحلم . . أطير الى الأفق وأكبو – حلقومي يتشقق ورأسي تتأرجح غصباً عني. وكأنني أفيق من غيبوبة الموت، رجوت الحارس أن يقرأ على ما كتب فنهرني ساخراً . . لحظتئذ . . صرخت متوسلة اليه أن يقرأ. فأغلق فمي بالرغيف ولطمني بقسوة على وجهي وهو يردد: مالك والصحيفة أيتها المومس الحقيرة. . ؟ لفظت الرغيف وابتهلت اليه فبسط الصفحة أمامي على الأرض. . فانحنيت أقرأ لا أصدق، حتى انكفأت على وجهه كالمنومة، أعض البلاط . . وألعق الحسرة . . والفرحة، وألعن عمراً ذاب في الإرهاق والغضب.
كان أبو داود ضابطاً من ضباط المخابرات الفلسطينية القلائل الذين تميزوا بأسلوب المهادنة في استجواب الجواسيس، وكان يرى أن تلك الطريقة هي الأنسب لمعاملة هؤلاء الخونة لإشعارهم بمدى فداحة الجرم الذي ارتكبوه. ومن خلال المعاملة الحسنة، بدلاً من التعذيب الذي يتوقعونه، يمتلكهم الإحساس بالذنب فيعترفوا.لم تكن ذات نفع مع جاسوسة محترفة مثل أمينة المفتي، التي دربت على كيفية مواجهة المواقف الصعبة، وترتيب الأفكار بحيث لا تخطئ إذا ما اضطرت الى سرد رواية ما مرتين.رغم نفاذ صبر أبو داود الذي واجهها بمذكراتها التي كتبتها بخطها وخبأتها في شقتها في فيينا، إلا أن الجاسوسة أنكرت كل شيء. وعللت كتابة مذكراتها بما تحويه من تفاصيل غاية في الدقة، بأنها مريضة بالتوهم Delusion وبأحلام اليقظة، وقد تخيلت نفسها بالفعل عميلة إسرائيلية في بيروت نظراً لخيالها الخصب الجامح،وأبو داود يسألها السؤال نفسه عشرات المرات في دهاء وحنكة، وهي تجيب في مراوغة واستبسال. فكانت إجاباتها كلها متناسقة ماعدا نقطة واحدة لم تكن أبداً مقنعة، ألا وهي سم السيانيد، حيث بررت وجوده معها بأنها مصابة بالجنون الدوري Cyclothynia ، وهذا الأمر يسبب لها مضايقات وتشنجات تدفعها للتفكير بالانتحار. ولما كان سم السيانيد غير متواجد بالأسواق أصلاً، وتستخدمه فقط أجهزة المخابرات للتخلص من ضحاياها، فقد كان الأمر مثيراً للشك ولا يقبل تأويلاً هشاً كالذي جاء على لسان أمينة. ومن هنا . . لم تكن أمام أبو داود سوى أساليب الاستجواب المعتادة …
بقيت امينة المفتي معتقلة حوالي 5000 يوم طلب أبو الحسن سلامة إعدامها لكن عرفات رفض، في سعي منه لمبادلتها بأسرى فلسطينيين.
في 13 فبراير 1980 تمت المبادلة في جزيرة قبرص على اسيرين فلسطينيين هما مهدي بسيسو ووليم نصار بإشراف الصليب الأجمر الدولي ، وعادت أمينة إلى إسرائيل حيث أخضعت لرعاية طبية مكثفة ثم انتقلت للعيش في حيفا وأجرت عملية تجميل غيّرت فيها ملامح وجهها، ثم انتقلت للعيش في مستوطنة كريات بام شمالي حيفا تحت حراسة مشددة وحاولت الاتصال بأهلها في الأردن لكنهم رفضوا التحدث معها وأخبروها أنهم يعدونها ميتة.
في مطلع عام 1984، نشرت مجلة «بمحانية» العسكرية الإسرائيلية خبراً صغيراً يقول إن وزير الدفاع أصدر قراراً بصرف معاش دائم للمقدم آني موشيه بيراد التي تصدرت لوحة الشرف بمدخل بمبنى الموساد، وهي لوحة تضم أسماء أمهر العملاء «ويطلق عليهم الأصدقاء» الذين أخلصوا لإسرائيل. ظلت أمينة وحيدة تعيش بهوية جديدة ووجه جديد،ولا يُعرف لحد الآن كيف أتمت حياتها. وبالمقابل، لا تكاد تجد لها ذكراً في المصادر غير العربية،وقيل عن نهاية أمينة المفتي روايات عديدة، في ذلك:
- الرواية الأولى: تزعم بأنها حصلت على وثيقة سفر أميركية باسم جديد، وتعيش بولاية تكساس حيث تمتلك مزرعة واسعة، وتزوجت من بحارإسباني ولم تنجب.
- الرواية الثانية: تزعم بأنها أجرت تعديلات بوجهها بمعرفة الوساد، وتعيش بجنوب افريقيا منذ عام 1985 تحت اسم مزيف، وتعمل في الاستيراد والتصدير، وأنجبت من ضابط روماني ولدا أسمته موشيه.
- الرواية الثالثة: تقول إنها انتحرت بحقنة هواء داخل حجرتها بقسم ألامراض العصبية بمستشفى تل هاشومير
مهما تكن نهاية حياتها فستبقى رمزا للخيانة والقذارة وستقف يوما بين يدي العادل الديان الذي لن يرحمها جزاء خياناتها .
المصدر : مواقع الكترونية عديدة