علوم

قصة تستحق القراءة عن الزعيم كمال جنبلاط وقسط المدرسة

    لم يكن الزعيم والمفكر الراحل كمال جنبلاط، من قادة العمل السياسي في لبنان فقط، بل كان صاحب الافكار الانسانية والأخلاقية المبدعة، وهو الذي رحل تاركا ورائه رصيدا زاخرا بالفلسفة وعلوم الاجتماع و السياسة، تجعلنا نفخر قائلين: ان هذا الرجل من لبنان.
    وهناك حكاية مثيرة للانتباه، رواها المؤرخ والأديب المهجري اسعد زيدان في كتابه” الناس والتاريخ”، نوردها على النحو التالي:
    في سنة 1956 نكب لبنان بزلزال ارضي هائل، سبب الكثير من الضحايا والخراب والدمار، فسارعت الحكومة انذاك الى تخصيص الاعتمادات المالية لمساعدة المواطنين المتضررين من الزلازل، كما انهمرت التبرعات المالية من المواطنين في الداخل والخارج لمساعدة المتضررين الفقراء الذين تهدمت بيوتهم. وكان الزعيم الراحل كمال جنبلاط وقتها في قصر المختارة بالشوف، فارسل مرافقه الخاص سامي نمور الى بيروت ليستلم شيكا مصرفيا بمبلغ كبير من المال، واوصاه بان يحمل قيمة الشيك ويعود به الى المختارة في اليوم ذاته.
وذهب نمور بالفعل الى بيروت حيث صرف قيمة الشيك من بنك مجدلاني، وقبيل عودته الى الجبل، عرج على منزل كمال جنبلاط في بيروت ليسأل السيدة إيفون ( مربية الزعيم وليد جنبلاط حين كان تلميذا )  وسألها اذا كانت بحاجة الى شيء من المختارة، فطلبت المربية منه مبلغا من المال لدفع قيمة القسط المدرسي عن التلميذ (انذاك) وليد جنبلاط، واصرت على ان الامر ملح جدا لانه اليوم الاخير في التسجيل بالمدرسة،فلم يتردد سامي نمور باعطائها 300 ليرة من كيس المال الكبير الذي كان يحمله تحت ابطه.
ولدى عودة الرجل الى المختارة، اخبر الزعيم كمال جنبلاط بما حصل،وفوجئ الرجل بثورة عارمة من الزعيم الذي انفجر غاضباً في وجه مرافقه الشخصي الذي طالما حمل له اكبر الامانات طوال سنوات عمله في خدمته، وكان يرافقه في اصعب المهمات والملمات، وقال له كمال بك: لقد دنست كرامتي،فأموال المنكوبين لا يمكن ان يمسها احد، صحيح الشرقي…شرقي!
وهنا قال المرافق وعلامات الدهشة تملأ وجهه المكتئب: “طيب شو فيها…المبلغ اعطيته للست إيفون منشان ابنك يتعلم،وكان اليوم اخر موعد للتسجيل بالمدرسة” ؟ .
وما كان من الزعيم الراحل الا ان امسك بكمية النقود ورماها على الارض وهو يقول:
هوذي الاموال للناس،والتصرف بأموال الناس جريمة، هوذي مساعدات للمتضررين من الزلزال، مش لتسجيل ودفع اقساط المدارس لابناء النواب والمسؤولين، هوذي مال المصلحة العامة، قوم يا نمور حالا ودبر لي 300 ليرة فوراً، فأنا لن أمس هذا المال الا اذا كان كاملاً، اسرع وتمم المبلغ”.
هكذا كان الزعماء الحقيقيون في لبنان في تلك المراحل الذهبية من تاريخ هذا البلد الذي انحدرت فيه كل مستويات التعاطي السياسي والمالي بين المتعاطين بالشأن العام، الذين يتخمون جيوبهم بالمال العام،بكل خفة واستخفاف بمواطنيهم المنكوبين، من “زلازل” الفساد الذي يطغى اليوم على كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى